صبحي صالح: الديمقراطية ليست كفرًا عند الإخوان


الديمقراطية والشورى في منهج الإخوان قضية أثارت وتثير جدلا واسعا أتاح الفرصة أمام خصوم الجماعة باللعب فيها مستغلين فرصة عدم تملك الجماعة لوسائل اعلام كافية للتواصل مع الجماهير لتبيان موقفهم من المفهومين.. ومستغلين غياب الفهم الجماهيرى الحقيقى للمصطلحين، فأطلقوا الأقاويل ورددوا الاشاعات متهمين الجماعة بعدم ايمانها الحقيقى بالديمقراطية.
وبكونها تستخدم الديمقراطية لتحقيق مآربها السياسية واعدين الناس بانقلاب الجماعة على الديمقراطية بعد أن يصير بيدها الأمر، منكرين ايمان الجماعة حتى بمبدأ الشورى مما أثار لدى الناس العديد من التساؤلات الحائرة عن الديمقراطية والشورى في الفكر الإخوانى.
وكان من الموضوعى أن نتجه الى أحد فقهاء القانون والشريعة بجماعة الإخوان المسلمين ليرد على الشبهات المثارة ويجيب على التساؤلات الحائرة .. فكان لنا هذا الحوار مع القانونى والبرلمانى المتميز صبحى صالح أحد أعضاء الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين.. فشاركونا تفاصيل الحوار
* ماذا تعنى الديمقراطية في فكر الإخوان المسلمين؟
** الديمقراطية عندنا لاتتناقض ولا تختلف اختلافا كبيرا عما هو متعارف عليه في القاموس السياسى وقاموس الشعوب ولا نعترض عليها بل نرى فيها الحل الأمثل للفكاك من تحكمات الفرد المطلقة في تسيير أمور الحكم، ولكننا لانعتبرها قمة الهرم في تحقيق تمثيل حقيقى لكل فئات الشعب في منطقة اتخاذ القرار، ولذلك نعتبرها خطوة على طريق تحقيق مبدأ اوسع وتمثيل أوسع للشعب والذي يستوعبه فقه الشورى الإسلامي بمفهومه الواسع.
* هل هذا يعنى أن معنى الديمقراطية عند الإخوان يختلف عن الرؤية الغربيه له؟
** الديمقراطية كما قلت ضرورة سياسية من أجل الاعتراف بحق الشعوب في ممارسة حكم نفسها بنفسها، ولكن منطقة الاختلاف بيننا وبين الغرب هى مطلقة الحرية وسريان رأى الأغلبية فيما لا حدود لاحترام نظام عام أو أخلاق أو آداب عامة للمجتمع، فعلى سبيل المثال أنه في الغرب اذا صوتت الأغلبية بالموافقة على زواج الشواذ والمثليين، فانه يصبح قانونا مقرا وقيد التنفيذ رغم أنه يعارض ثوابت المجتمع الغربى المسيحى الذي تعارف على شكل محدد للأسرة أعطاه صفة القدسية لألاف السنين، ثم يتم تجاوزه لأن الديمقراطية وحرية الرأى فوق أى ثوابت للمجتمع!
وهذه نقطة اختلافنا مع المفهوم، حيث نرى أن ممارسة الديمقراطية يمكن ان تتم وبصورة صحية جدا لكن مع احترام ثوابت المجتمع ونظامه العام
التقاء وتنافر
* وهل الديمقراطية تختلف كثيرا عن الشورى؟
** الديمقراطية تعنى فقط حكم الأغلبية، أما الشورى فهى أشمل اذ تضمن حفاظ حق الجميع في ممارسة دور سياسيى داخل الدولة، وان يكون لجميع صوت وراى مسموع للحفاظ على مصلحة جميع فئات المجتمع.
وأرى ان الشكل الديمقراطى الذي يمثل نظرية الشورى في الحكم والتي تعطى التمثيل للجميع وليس للأغلبية فقط هو العمل بنظام المجلسين كالنظام الانجليزى والأمريكى، حيث يكون هناك مجلس بالانتخاب يمثل الأغلبية التي فازت في الانتخابات ويسمى بالمجلس النيابى، ويكون هناك مجلس آخر يوفر التمثيل النسبى لكل طوائف المجتمع مهما كان حجمها صغيرا بما يمنحها التواجد في منطقة اللعبة السياسية.
وهو ما يعنى حدوث ما يسمى بالتمثيل النسبى كما هو الحال في مجلس الشيوخ الأمريكى اذ تمثل كل ولاية من الولايات الأمريكية بعضوين في مجلس الشيوخ مهما كانت المساحة السكانية لتلك الولاية ويتساوى في ذلك الولايات التي تتمتع بكثافات سكانية مليونية وتلك التي لا تتعدى عشرات الألاف!
أى يمثل الجميع بما يحفظ حقه من الضياع ويجعل له صوتا مسموعا بدلا من أن تكون الساحة لمن فاز بالأغلبية فقط.
* هل هناك مناطق التقاء ومناطق تنافر بين الديمقراطية والشورى؟
** تلتقى الشورى والديمقراطية في تحقيق مبدأ احترام ارادة الناخبين والاحتكام الى صناديق الانتخاب وتقرير مساءلة السلطة التنفيذية أمام السلطة النيابية المنتخبة.
* وما تصور الإخوان عن كيفية التطبيق المعاصر للشورى في ظل نظام الدولة الحديث؟
** تصورنا كما سبق أن قلنا هو العمل بنظام المجلسين للتوفيق بين مبدأ التمثيل للأغلبية المنتخبة وضمان التمثيل النسبى لكل الطوائف والهيئات التي لا تستطيع تحقيق التمثيل المناسب لها من خلال الاقتراع العام، اذ تقرر الشورى تمثيل كل الناس في دائرة القرار السياسى وهو ما راعته بعض النظم الديمقراطية المعاصرة كما قلنا سابقا مثلما هو حادث في بريطانيا والولايات التحدة الأمريكية.
الشورى والتعددية
* البعض يروج أن الشورى لاتعترف بالتعددية الحزبية، والبعض الآخر يصدق ذلك جهلا بكينونة الشورى.. فما ردكم على ذلك؟
** الشورى تعترف بالتعدد لأنها في الأصل قائمة على اختلاف الرأى، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يشاوراصحابه الذين كانوا يختلفون على الموضوع الواحد، وقد كان هناك قطبين أساسيين ومختلفين في العصر النبوى وهم كتلة عمر المعروفة بآرائها المناقضة تماما لكتلة أبى بكر وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يأخذ بهذا الرأى حينا وبالرأى الآخر حينا آخر، وبعد العصر النبوى بدأ عصر المذاهب وهو عصر تعددية الآراء وقد بدأ عصر المذاهب منذ عام 83 هجرية أى من القرن الأول للإسلام وهذا يعنى أن التعددية جزأ لا يتجزأ من صميم النظام الإسلامي ودليل على صحة وفتوة النظام.
* يروج البعض أحيانا أن الإخوان يعتبرون الديمقراطية كفرا .. فما رأيكم؟
** الإخوان لم يقولوا أبدا بأن الديمقراطية كفرا وان كان هناك بعض الجماعات الإسلامية الموجودة على الساحة تراها كذلك كجماعة التكفير والهجرة وهى فرق ليست كبيرة جماهيريا وغير مؤثرة، وهم يرون الديمقراطية كذلك لأنهم يرون أن الديمقراطية وفق النظام الغربى يمكن أن تحرم حلالا وتحل حراما، ولكننا نحن الإخوان رأينا أن الديمقراطية فيها خير كثير وشرها القليل هو ما لا يتوافق مع الثوابت والقيم العامة، وبالتالى نأخذ خيرها ونتحفظ على شرها داعين الى ضرورة أن تحترم الديمقراطية ثوابت الأمة.
* لكن ألا ترون أن مساحة الثوابت هذه يمكن أن توفر مساحة واسعة للحاكم للاجهاز على المكاسب من وباسم الدين لتوسيع دائرة هذه الثوابت ليقطم قطمات كبيرة من المساحة الديمقراطية؟
** عندما نتكلم عن الثوابت التي يجب الا تأتى الديمقراطية على حسابها هى ثوابت الشريعة، وهى ثوابت معروفة وثابتة ولا اختلاف عليها لدى جميع المسلمين، اما مصدر الخوف مكمنه الثوابت الفقهية وهى المساحة التي يمكن أن يستغل الحاكم فيه علماء السلطة باللعب عليها وهو ما نؤكد عليه تحاشيا من تآكل مكاسب الديمقراطية باسم الدين، لأن الفقه غير معصوم لأنه اجتهاد بشرى يمكن أن يخطأ أو أن يصيب.
مخاوف
* هناك أيضا آخرون يقولون أن الإخوان يستخدمون الديمقراطية كمطية سينقلبون عليها بعد وصولهم الى السلطة لأنهم يعتبرونها فكرة غير إسلامية.. فما ردكم على ذلك؟
** أقول لحسنى الظن في هؤلاء امنحونا الفرصة وجربونا أولا، ووأقول لسيئي النيه تجاهنا خلوا بيننا وبين الشعوب، وامنحوا صناديق الانتخاب الحرة وخلصوها من الأوصياء الذين ذبحوا الديمقراطية يوم أن ولدت، وليتركوا الشعب يختار، والشعوب ذكية، واذا رأت انقلابا على الديمقراطية ممن اختارتهم فلن يعاودوا اختيارهم ثانية، ونحن ندرك ذلك جيدا ونحترمه،
واقول لمن يجهلنا أننا لم نخض ميدانا من ميادين العمل السياسى الا وكان أداؤنا فيه ديمقراطيا مشرفا، وكانت النقابات المهنية والجمعيات الخيرية ونوادى أعضاء هيئة التدريس واتحادات الطلاب في الجامعات خير دليل على ممارسة جيدة للديمقراطية من قبل أفراد الجماعة في كل تلك المؤسسات، وتجلت الديمقراطية في أبهى صورها، ولم يشهد علينا أحدا بسوء.
* الناس غير متفائلة من قدرة الإسلاميين على تطبيق الديمقراطية أو حتى الشورى مستدلين على ذلك بالنظام السعودى والطالبانى والايرانى؟
** أولا النظام السعودى نظام ملكى وراثى لا يأخذ بالشورى لأنه ليس ملكية دستورية، ومرجعيته ليست شورية وانما مرجعيته الأسرة المالكة ومن ثم فهو ليس نموذجا لتطبيق الشورى.
ثانيا لابد أن نعرف أن النظام الطالبانى لم يكن نظاما شرعيا وانما كان نظاما فقهيا يقوم على الخيارات الفقهية من المذاهب ولا يمثل الثوابت الشرعية في شىء وهنا مكمن الخطر، وهذا ما حذرنا منه في كلامنا السابق من أن الثوابت الفقهية التي قد يتبناها نظام ما يضر بمكاسب الشعوب في الديمقراطية والشورى لأنها قد تصنع وقد تجتزأ لتحقيق مصلحة ما لفئة ما وليس لمصلحة الأمة، وهذا وجه اعتراضنا على نظام طالبان التي نرى أنها تحكمت ولم تحكم وصادرت الحريات.
أما النظام الايرانى فهو لا يناسبنا في الرؤية الشرعية في نقاط عديدة اذ العقيدة الشيعية تقوم على مبدأ عصمة الامام، وعلى ولاية الفقيه، ومن ثم فان النظام لديهم معصوم من المساءلة والمراجعة على اعتبار أنه معصوم من الخطأ،أما عند اهل السنه فان معصومية الحاكم تعنى استبدادا بينما تعنى للشيعة دين، ونحن الإخوان عندنا مبدأ في الأصول العشرين مفاده أن كل يؤخذ منه ويرد الا النبى صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فلا عصمة لحاكم أوغيره، فكل حاكم يساءل عن تصرفاته أى تقرير مسئولية الحاكم: (ان أحسنت فأعينونى، وان أسأت فقومونى) وهذا قمة الديمقراطية، اما النظام الشيعى فلا يقر بمسئولية الحاكم!
الكنز المفقود
* يرى البعض أن الشورى لم تتواجد في التاريخ الإسلامي كله خارج اطار الحقبة النبوية والخلافة الراشدة مما يؤكد التخوف من صعوبة امكانية تحقيقها على اعتباره الكنز المفقود منذ أكثر من عشرة قرون.. فبما نطمئن الناس؟
** الحكم الإسلامي امتد عبر 1400 سنه ومن ثم فلا يصح أن أحكم عليه بأنه كله سواء، والتاريخ لا يمكن أن يكون حجة على فكرة، وانما هو حجة على من أخطأ، وأقول للخائفين من الإسلام اذا كان ثمة أخطاء في التاريخ الإسلامي لأفراد تجاوزوا روح الشريعة الإسلامية، فان ذلك لايعنى عيبا في الشريعة وانما خروجا من هؤلاء على الشريعة، وهذا أشبهه بحالة الصداع في الرأس.. هل يكون علاج الصداع بقطع الرأس أم بقطع أسباب الصداع!
* البعض يرى أن أولويات الإسلاميين في الحكم هى الحدود لا الشورى مستدلين على ذلك بنظام تطبيق الحدود في السعودية.. فما القول؟
** أولا فكرة تطبيق الحدود قبل تكوين مجتمع مسلم متكامل الأركان هى فكرة لا تتفق مع طبيعة الإسلام ونظريته في التغيير، ونموذج السعودية ليس حجية على المنهج الإسلامي في الحكم، اذ أن النظام الإسلامي ملامحه أحكام الشريعة ومنهجه في التطبيق هو منهج الشريعة التي من أهم سماتها التدرج في التشريع، والتجربة النبوية قامت على مبدأ التدرج فبدأت ببناء قاعدة ايمانية أولا تبعتها منظومة سلوكية وبعد اكتمالها كانت الحاجة المنطقية تتطلب انشاء علاقة مجتمعية ودولية وكان ذلك بعد 13عاما من النشأة، وبعد ذلك وعندما استقر الشكل الاجتماعى والسياسى للنظام الإسلامي جاء الإسلام بالحدود حماية للنظام وليس جوهرا للنظام؟أو بديلا عنه!

No comments: